الإشارات المغنية في أحكام الأضحية

تاريخ النشر : 2021-02-21

عدد المشاهدات : 2139

مرات التحميل : 3

مشاركة



مقالات الحج وعشر ذي الحجة (4)

الإشارات المغنية في أحكام الأضحية

الحمد لله الذي شَرَع لعباده التَّقَرُّب إليه بذبح القربان، وقَرَن النَّحر بالصلاة في محكم القرآن، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والامتنان، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله أفضل مَنْ قام بشرائع الإسلام وحقق الإيمان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَنْ تبعهم بإحسان، وسَلَّم تسليمًا.

أمَّا بعد: فإنَّ مِنْ شعائر الإسلام التضحيَة بذبيحة في عيد ذي الحجَّة المعروف بعيد الأضحى، ومقتضى ذلك أن يُلِمَّ المسلمُ بأحكام الأضحيَة؛ حتَّى يجري عمله على بصيرة مِنْ أمره.

وفي هذا المقال بيانٌ مختصر لأبرز المسائل المتعلقة بالأضحية، التي لا يسع المكلف جهلها، وذلك على النحو الآتي:

أولًا: الأضحية هي ما يذبح مِنْ بهيمة الأنعام أيام عيد الأضحى؛ بسبب العيد، تقربًا إلى الله عز وجل.

ثانيًا: ذبح الأضحية سُنَّة أبينا إبراهيم الخليل -عليه السلام- حينما أُمر بذبح ابنه؛ فامتثل لأمر ربه -عز وجل- وسلَّم وانقاد، لكن الله -سبحانه بلطفه ورحمته- فداه بذبح عظيم.

كما أنها سُنَّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: «ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا»([1]).

وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنَّها سُنَّة مؤكدة؛ استدلالًا بالحديث السابق([2]).

ثالثًا: تجزئ الأضحية الواحدة مِن الغنم عن الرجل وأهل بيته، ومَنْ نوى إدخاله مِن المسلمين؛ لِمَا جاء عن عائشة -رضي الله عنها- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول عند ذبح أضحيته: «باسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِن مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ» ([3]).

رابعًا: الأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق الأحياء، كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يُضَحّون عن أنفسهم وأهليهم.

وأمَّا الأضحية عن الأموات فعلى ثلاثة أقسام:

الأول: أنْ يُضحى عنهم تبعًا للأحياء، فيضحي الرجل عَنْه وعن أهل بيته الأحياء والأموات، فهذه مشروعة؛ لِمَا جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه ضحى عَنْه وعن أهل بيته، وفيهم مَنْ قد مات مِنْ قبل.

الثاني: أنْ يضحي عن الأموات بمقتضى وصاياهم التي تركوا لها مالًا أو أوقافهم، فهذه يجب تنفيذها؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة:181].

الثالث: أنْ يضحي عن الأموات تبرعًا، مستقلين عن الأحياء، فهذه جائزة؛ لأنَّها مِنْ باب إهداء ثواب القرب، كالحج والصدقة عنهم، لكنها ليست مِن السنة؛ لأنَّ الشارع لم يحث عليها.

خامسًا: يشترط للأضحية أربعة شروط لا تجزئ إلا بها:

الشرط الأول: أنْ تكون الأضحية مِنْ بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم -ضأنها وماعزها-؛ لقوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاْنْعَـمِ فَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾[الحج:34]. أمَّا التضحية بغير بهيمة الأنعام كالدواجن فلا تجزئ؛ لعدم ورود ذلك في الشرع.

الشرط الثاني: أنْ تكون الأضحية قد بلغت السِّنَّ المعتبرَ شرعًا، وهو خمس سنين في الإبل، وسنتان في البقر، وسنة في المعز، ونصف سنة في الضأن؛ لما جاء عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، إلَّا أنْ يَعْسُرَ علَيْكُم، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ»([4]).

الشرط الثالث: أنْ تكون الأضحية سليمة من العيوب التي تمنع الإجزاء، ومنها ما بَيَّنَه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «أربعٌ لا تُجزئُ في الأضاحيِّ: العَوراءُ البيِّنُ عوَرُها، والمريضةُ البيِّنُ مرضُها، والعَرجاءُ البيِّنُ ظَلعُها، والكسيرةُ الَّتي لا تُنقي»([5]). ومعني لا تُنقي: أي لا مخ لها؛ لضعفها وهُزالها.

ويُلحق بهذه الأربع ما كان مثلها أو أولى منها بعدم الإجزاء. ويجزئ الخصي؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى بكبشين موجوءين، والوجأ: رض الخصيتين. وما قطعت خصيتاه أو شلتا فهو كالموجوء؛ لأنَّه في معناه.

الشرط الرابع: أنْ يذبح الأضحية في الوقت المحدَّد شرعًا، وذلك مِنْ بعد صلاة العيد يوم الأضحى إلى غروب شمس آخر يوم مِنْ أيام التشريق، وأيام التشريق ثلاثة بعد يوم العيد، فتكون أيام الذبح أربعة، فعن جندب بن سفيان البجلي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلْيَذْبَحْ شَاةً مَكَانَهَا، وَمَن لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ، فَلْيَذْبَحْ علَى اسْمِ اللَّهِ»([6]).

والأفضل أنْ يُبَادِر المسلم بذبح أضحيته بعد صلاة العيد مُباشرة؛ لحديث البَرَاء بن عازِب -رضي الله عنه- قال: خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: «إنَّ أوَّلَ ما نَبْدَأُ به في يَومِنَا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ فمَن فَعَلَ ذلكَ فقَدْ أصَابَ سُنَّتَنَا، ومَن ذَبَحَ قَبْلَ أنْ يُصَلِّيَ، فإنَّما هو لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأهْلِهِ ليسَ مِنَ النُّسُكِ في شيءٍ»([7]). ويجوز الذبح نهارًا وليلًا، ولكن نهارًا أولى.

سادسًا: الأفضل مِن الأضاحي جنسًا: الإبل ثم البقر-إنْ ضحى بهما كاملة-، ثم الضأن، ثم المعز، ثم سبع البدنة، ثم سبع البقرة.

والأفضل منها صفة: الأسمن الأكثر لحمًا الأكمل خِلْقَةً الأحسن منظرًا.

سابعًا: يحرم على مَنْ أراد الأضحية أخذ شيء من شعره أو أظفاره أو بشرته إذا دخل شهر ذي الحجة حتَّى يذبح أضحيته؛ لحديث أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا، حَتَّى يُضَحِّيَ». وفي رواية: «فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا»([8]).

ووجوب الإمساك عن أخذ الشعر والظفر والبشرة يشمل مَن نوى الأضحية عن نفسه أو تبرع بها عن غيره، ولا يشمل من يُضَحَى عنهم من أفراد الأُسرة، ولا مَنْ ضَحى بوكالة أو وصية عنْ غيره ممنْ ترك مالًا لأضحيته.

ولا يُسَمَّى الإمساك عن أخذ الشعر والظفر والبشرة إحرامًا، وإنما المحرم هو الذي يحرم بالحج أو العمرة، أو بهما معًا.

ومَنْ أخذ شيئًا مِنْ شعره أو أظفاره أو بشرته ممَّنْ أراد التضحية أثم، ولكن لا تلزمه فدية، ولا تسقط عنْه الأضحية، والواجب عليه التوبة والاستغفار.

ثامنًا: ينبغي الإحسان في الذبح بحدِ السكين، وإراحة الذبيحة والرِّفق بها، وإضجاعها على جنبها الأيسر.

تاسعًا: يُسَنُّ أنْ يتولى ذبح أضحيته بنفسه، أو يحضرها عند الذبح، ولا يُعطي الجزَّار أجرته منها شيئًا، أمَّا إعطاؤه على سبيل الهبة أو الصدقة فلا بأس، ويجوز له الانتفاع بجلدها دون بيعه أو شيء منْه.

عاشرًا: يُسَنّ للمضحي أنْ يأكل مِنْ أضحيته، ويُهدي، ويتصدق، ويجوز ادخار لحم الأضحية؛ لحديث سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كُلُوا وأَطْعِمُوا وادَّخِرُوا»([9]). والإطعام يشمل الهدية للأغنياء، والصدقة على الفقراء، ويجوز إطعام الكافر منها.

 

أ.د. حمد بن محمد الهاجري

أستاذ الفقه المقارن والسياسة الشرعية

كلية الشريعة - بجامعة الكويت

 

([1]) متفق عليه: رواه البخاري (5565)، ومسلم (1966).

([2]) ولِما جاء عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ ‌أَسِيدٍ، قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَمَا ‌يُضَحِّيَانِ عَنْ أَهْلِهِمَا؛ خَشْيَةَ أَنْ يُسْتَنَّ بِهِمَا". رواه الطبراني في المعجم الكبير (3058)، والبيهقي في السنن الكبير (19067)، واللفظ له، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1139).

وما جاء عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: "إِنِّي ‌لَأَدَعُ ‌الْأَضْحَى وَإِنِّي لَمُوسِرٌ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى جِيرَانِي أَنَّهُ حَتْمٌ عَلَيَّ". رواه البيهقي في السنن الكبير (19070)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1139).

وذهب الحنفية ورواية عن أحمد إلى أنَّها واجبة على المستطيع، واختاره ابن تيمية، وقواه ابن عثيمين.

ومن أدلتهم على الوجوب: ما جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن وَجَدَ سَعةً فلم يُضَحِّ فلا يَقْرَبنَّ مُصَلَّانا" رواه أحمد (8273)، واللفظ له، وابن ماجه (2123)، والحاكم (7773) ، وصححه الألباني في التعليقات الرضية (126/3).

([3]) رواه مسلم (1967).

([4]) رواه مسلم (1963).

([5]) رواه أحمد (18675)، وأصحاب السنن: أبو داود (٢٨٠٢)، الترمذي (1497)، والنسائي (4371)، وابن ماجه (٣١٤٤)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2562).

([6]) متفق عليه: رواه البخاري (985)، ومسلم (1960).

([7]) أخرجه البخاري (968) واللفظ له، ومسلم (1961).

([8]) رواه مسلم (1977).

([9]) رواه البخاري (5569).


التعليقات

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق

لقدوصلت للحدالاقصى

0 /