حكم الاحتفال برأس السنة الميلادية

تاريخ النشر : 2023-12-25

عدد المشاهدات : 360

مرات التحميل : 0

مشاركة


    لا يوجد ملفات للتحميل
أضف الى المفضلة

حكم الاحتفال برأس السنة الميلادية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
اعتاد النصارى في اليوم الأول من كل عام ميلادي أنْ يحتفلوا بعيد رأس السَّنَة الميلادية، وهذا الاحتفال دخيل على دين النصارى؛ لأنَّ أصله وثنيّ رومانيّ، حيث كان الرومان يُقَدِّمُون فيه الهدايا للآلهة، فلما دخل الرومان النصرانية نقلوه إلى دينهم الجديد، وأحدثوا له أصولًا دينية؛ نَسَبوها إلى المسيح، بهتانًا وزورًا، وسمّوه: عيد الختانة! والاحتفال بذكرى مريم -عليها السلام- والدة الإله -بزعمهم-!

وقد تسرب الاحتفال بهذا اليوم إلى بلاد المسلمين، وساعد على انتشاره عندهم اعتمادهم على التقويم الميلادي، وأصبح الكثير من أبناء المسلمين يظهرون ابتهاجهم وسرورهم، فيشاركون - بقصد أو بغير قصد- النصارى في احتفالهم بهذا اليوم، ويهنئ بعضهم بعضا، بل يهنؤون بعض معارفهم من النصارى!

وهذا - لا شك- محرم، وهو من موالاة النصارى الجالبة لحبهم، كما أنه من التشبه بأعداء الله، وقد نهينا عن ذلك، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة:٥١].

قال عبد الله بن عتبة: "ليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يشعر" تفسير ابن كثير.

وإن المؤمن الغيور على دينه، الراضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا، لا يشارك الكفار في أعيادهم؛ لأنه يزن أفعاله وأقواله، وأفعال الناس وأقوالهم، بالكتاب والسنة، فما وافقهما -أو أحدهما- فهو المقبول؛ وإن تركه الناس، وما خالفهما -أو أحدهما- فهو المردود؛ وإنْ فَعَله الناس.

وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على تحريم مشاركة الكفار في أعيادهم، ومن ذلك:

1- قال الله تعالى -في صفات عباد الرحمن-: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾[الفرقان:72]، قال الضحاك، وغيره: "يعني أعياد المشركين". تفسير ابن كثير (6/ 130).

2- قال الله -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ﴾[الممتحنة:1]، ومشاركة الكفار في أعيادهم نوع من موالاتهم ومودتهم و محبتهم.

3- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من تشبَّهَ بقومٍ فهوَ منهم». رواه أبو داود (4031) واللفظ له، وأحمد (5114) مطولاً، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (4031)، ولا شك أن مشاركة الكفار في أعيادهم من التشبه بهم.

4- قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «خالفوا المشركين...». متفق عليه، وأعياد الكفار من أعمالهم التي يجب أن نخالفهم فيها.

5- أجمع الصحابة -والأئمة مِن بعدهم- على تحريم المشاركة في أعياد الكفار وتهنئتهم بها؛ وكان اليهود في المدينة وخيبر، ولم يُنْقِل عن أحدٍ مِن الصحابة مشاركتهم في أعيادهم أو تهنئتهم بها.

 

أ- قال ابن تيمية - رحمه الله-: "فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم مِن إظهارها، فكيف يسوغ للمسلمين فعلها؟!". "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/510).

ب- قال ابن القيم -رحمه الله-: "لا يجوز للمسلمين مُمَالأتُهم عليه، ولا مُساعَدتهم، ولا ‌الحضور ‌معهم ‌باتفاق ‌أهل ‌العلم". وقال أيضا: "وأما ‌التهنئة ‌بشعائر ‌الكفر -المختصة به- فحرامٌ بالاتفاق، مثل أنْ يُهنِّئهم بأعيادهم وصومهم". "أحكام أهل الذمة" (1/441).

ج- قال ابن النحاس -رحمه الله-: "واعلم أنَّ أقبحَ البدعِ -وأشنعَها- موافقةُ المسلمين للنصارى في أعيادهم؛ بالتشبه بهم، وفي ذلك مِن الوهنِ في الدين، وتكثيرِ سوادِ النصارى، والتشبهِ بهم، ما لا يخفى، فالواجبُ على كل قادر أنْ يُنكرَ على أهل الذمةِ التظاهرَ بأعيادهِم ومواسمِهم، ويمنعَ مَن أراد مِن المسلمين التّشبّهَ بهم في شيءٍ مِن أفعالهِم، ومأكلهِم، وملابسهم، ومخالطتِهم فيها، وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". "تنبيه الغافلين" (ص500).

6- جاء عن صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- آثار كثيرة -صحيحة صريحة- بخصوص تحريم مشاركة أعداء الله في أعيادهم؛ منها:

أ- قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-: (لَا ‌تَعَلَّمُوا ‌رَطَانَةَ ‌الْأَعَاجِمِ، وَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ؛ فَإِنَّ السَّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ). أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (1609)، وصححه ابن تيمية.

ب- قول عمر رضي الله عنه -أيضًا-: (اجْتَنِبُوا ‌أَعْداءَ ‌اللَّه ‌فِي ‌عِيدِهِمْ). أخرجه البيهقي في "الكبرى" (18862).

ج- قول عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: (‌مَنْ ‌بَنَى ‌بِبِلَادِ ‌الْأَعَاجِمِ، وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهُمْ، وَتَشَبَّهَ بِهِمْ، حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). أخرجه البيهقي في "الكبرى" برقم (18863)، وصححه ابن تيمية.
فلا يجوز لمُسلِمٍ أنْ يشارك في أعياد الكفار، بأي وجه مِن الوجوه، سواء أكانت تهنئةً أو ذهابًا إلى أماكن عبادتهم، أو قبولًا لهداياهم بمناسبتها، أو تعاونًا معهم في نجاحها؛ لأنَّ ذلك من التعاون على الإثم الذي حَرَّمه الله -تعالى- علينا في كتابه القويم، ومضادٌّ لكلمة الإخلاص.

وإن من مقاصد الشرع في النهي عن مشاركة الكفار أعيادهم، والتّشبّه بهم: حفظ قلب المسلم مِن تسرّب حب أعداء الله إليه؛ فإنَّ ذلك مضاد لعقيدة الولاء والبراء الواردة في قول الله -تعالى-: ﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[المجادلة:22].

إن الواجب على المسلم هو: الدعوة إلى دينه، وإظهار شعائره، وأن ينأى بنفسه وأهله عن التأثر بأعياد النصارى والمشركين؛ التي هي جزء من أديانهم، وهي عن عقيدة مخالفة للتوحيد، وإنَّ في ديننا -من العبادات والأعياد- الكفاية والكمال، وقد قال ربنا -سبحانه وتعالى-: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[المائدة:3].

وإنَّ في ديننا -من العبادات والأعياد- الكفاية والكمال، وقد قال ربنا -سبحانه وتعالى-: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[المائدة:3].

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين.


التعليقات

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق

لقدوصلت للحدالاقصى

0 /