شبهة زواج النبي عليه السلام بعائشة رضي الله عنها

تاريخ النشر : 2022-06-06

عدد المشاهدات : 3664

مرات التحميل : 16

مشاركة



شبهة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها -عرض ونقد-

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

ما زال كثير من أعداء الإسلام -حتى يومنا هذا- يسخرون من زواج نبينا عليه الصلاة والسلام من عائشة رضي الله عنها وعن أبيها وهي في السادسة من عمرها، وبنائه بها وهي في التاسعة من عمرها، بينما كان هو قد تجاوز الخمسين من عمره، فيصفون هذا الزواج بالاغتصاب والاعتداء على الصغيرات لمجرد نزوة الشهوة وإشباع الغريزة، محاولةً منهم لتشويه صورة الإسلام والتحريض عليه.

والجواب عن هذه الشبهة من خمسة وجوه:
الأول: إن الزواج المبكر كان ظاهرة عامة حدثت قبل ظهور الإسلام، واستمرت بعده، لم يخترعه نبينا عليه الصلاة والسلام ولم يكن أول من قام به، بل تزوج كما تزوج غيره من أبناء مجتمعه، ولو كان أمرا غريبا منكرا مرفوضا لعابه عليه أعداؤه كفار قريش، وجعلوه ذريعة لتشويه صورته والتنفير منه، لكنهم لم يفعلوا ذلك؛ لأنه أمر عادي في ذلك المجتمع، ولأنهم أنفسهم كانوا يتزوجون بفتيات في سن مبكر، بل إن الشعوب الأوروبية والنصرانية أيضا ما زالت تمارس هذه العادة حتى القرن الواحد والعشرين.
فدل ذلك على أن هذه شبهة حديثة نسبيًّا، إذْ لم يذكرها أعداء الإسلام السابقون، وإن من الظلم الحكم على الفعل مفصولا عن ظروفه وملابساته ومكانه وزمانه، فكيف يلام نبينا عليه الصلاة والسلام على ذلك بعد مضي أكثر من ألف وأربعمائة سنة؟
الثاني: إن زواج النبي من عائشة رضي الله عنها لم يكن سعيا وراء المتعة والشهوة كما يصوره أعداء الإسلام؛ إذا لو كان كذلك لما تزوج في السن الخامس والعشرين من خديجة التي هي أكبر منه بخمس عشرة سنة، ثم لم يتزوج عليها حتى مماتها، ثم تزوج بعد وفاتها بعجوز في الثمانين، وهي سودة بنت زمعة العامرية التي توفي زوجها وبقيت بين قوم مشركين فأراد النبي أن يجبر خاطرها، ويؤنس وحشتها، ويكون بذلك قدوة لبقية المسلمين في الإحسان للأرامل، وبعد أربع سنوات تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، ولم يتزوّج النبي صلى الله عليه وسلم بكراً غيرها، فكلّ زوجاته سبق لهنّ الزواج قبله.
الثالث: ذكر العلماء أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها مع هذا الفارق في العمر، إنما كان لغرضٍ شرعي، وحكمةٍ بالغة، وهي أن الصغيرة في السنّ أحفظ من غيرها، فتزوجَها بهذا العمر لتتحمّل عنه الكثير -خصوصا ما لا يطلع عليه غير أهل بيته من الأحكام-، ثم تبلّغ عنه بعد وفاته طويلا لصغر سنها حين وفاته، فتساهم بذلك في تبليغ دين الله.
وهذا ما حدث بالفِعل، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: "وماتَ النَّبِيُّ ﷺ ولَها نَحْوُ ثَمانِيَةَ عَشَرَ عامًا وقَدْ حَفِظَتْ عَنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا وعاشَتْ بَعْدَهُ قَرِيبًا مِن خَمْسِينَ سَنَةً؛ فَأكْثَرَ النّاسُ الأخْذَ عَنْها ونَقَلُوا عَنْها مِنَ الأحْكامِ والآدابِ شَيْئًا كَثِيرًا حَتّى قِيلَ إنَّ رُبْعَ الأحْكامِ الشَّرْعِيَّةِ مَنقُولٌ عَنْها رضي الله عنها" (فتح الباري).
الرابع: لم يمنع الشارع من الزواج بالصغيرة، فقد قال الله تعالى: {وَاللّائي يَئِسنَ مِنَ المَحيضِ مِن نِسائِكُم إِنِ ارتَبتُم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشهُرٍ وَاللّائي لَم يَحِضنَ وَأُولاتُ الأَحمالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعنَ حَملَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا} [الطلاق:  ٤]، فبيّن في هذه الآية عدةَ المطلقة الصغيرة التي لم تبلغ سن المحيض، فدل أن الصغيرة تتزوج وتطلّق وهي لم تبلغ سنّ الحيض.
الخامس: هناك فرق بين الزواج أو الدخول وبين إطاقة الوطء، فقد يتزوج الإنسان امرأة وهي صغيرة ثم يدخل بها وتبقى عنده حتى تطيق الوطء، فلذا ترى الفقهاء يتكلمون في مسألة: وجوب النفقة أو المبيت لمن لا تطيق الوطء، وكذا مسألة: من تزوج بصغيرة لا تطيق الوطء فهل ذلك يحصنه بحيث يُرجم إذا زنى أو لا؟ وهكذا، فلا يُستغرب حينئذ من وجود المرأة تحت رجل  مع قيام مانع الوطء فترة معينة؛ لمرض أو حيض أو نفاس أو صغر أو غير ذلك، والله أعلم.


التعليقات

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق

لقدوصلت للحدالاقصى

0 /