مباشرة النساء وأثره على الصوم
تاريخ النشر : 2021-03-04
عدد المشاهدات : 1836
مرات التحميل : 0
-
لا يوجد ملفات للتحميل
مباشرة النساء وأثره على الصوم([1])
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيتساءل البعض عن حكم مباشرة الصائم للنساء، وأثره على الصيام، ويمكن تفصيل ذلك في المسائل الآتية:
المسألة الأولى: جماع الصائم: ذكرا كان أم أنثى، وسواءً أنزل المني أم لم ينزل.
ويتحقق الجماع بتغييب حشفة الذكر في قُبل المرأة، سواءً أكان جماع الزوجة، أم جماعاً لشبهة؛ كأن يجامع امرأة يظنها تحلّ له، أم جماعاً حراماً؛ كالزنا، والعياذ بالله.
ويتضح ذلك من خلال الأحوال الخمسة الآتية:
الحال الأولى: الجماع في نهار رمضان، يُفسد الصوم، ويوجب ثلاثة أشياء:
1- التوبة إلى الله؛ لأنَّ هذا منكرٌ عظيم.
2- القضاء؛ فيعيد صيام ذلك اليوم الذي أفسده بالجماع.
3- الكفارة؛ وتكون بعتق رقبةٍ، فإنْ لم يستطع فعليه أن يصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً.
وذلك على الترتيب، فلا ينتقل إلى صيام الشهرين المتتابعين إلا إذا عجز عن عتق الرقبة، ولا ينتقل إلى إطعام ستين مسكينًا إلا إذا عجز عن الصيام.
الدليل: ما جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكْتُ! قَالَ: مَا لَكَ، قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا، قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَ: لَا، فَقَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَكُثَ النَّبِيُّ ﷺ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ، وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ، قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ، فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَوَاللهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا -يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ- أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي. فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ»([2]).
الحال الثانية: الجماع في صوم واجب غير رمضان؛ كقضاء رمضان أو الكفارة أو النذر، ويوجب شيئين: التوبة، والقضاء.
ولا يوجب الكفارة، عند جمهور أهل العلم؛ لأنّ النَّصَّ بوجوب الكفارة وَرَدَ فيمَن جامع في نهار رمضان -لحرمة الشهر- لا في غيره.
الحال الثالثة: الجماع في صوم تطوع، يُفسد الصيام، ولا يُوجب التوبة ولا القضاء([3]) ولا الكفارة؛ لأن الصائم المتطوع أمير نفسه، فله أنْ يكمل صومه، وله أنْ يُفطر، وإنْ كان الإكمال أفضل.
الدليل: ما جاء عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَدَعَا بِشَرَابٍ، فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَمَا إِنِّي كُنْتُ صَائِمَةً! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ، إِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ»([4]).
الحال الرابعة: مَن جامع جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً، لا يُفسد الصوم، ولا يُوجب التوبة ولا القضاء ولا الكفارة.
سواء أكان صيام رمضان، أم صوم واجب غيره، أم صوم تطوع.
الدليل: قول رسول الله ﷺ قال: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»([5]).
الحال الخامسة: جماع مَن يجوز له الفطر؛ لعذر شرعي (كالمريض أو المسافر)، يُفسد الصوم، ويُوجب القضاء، ولا يُوجب التوبة ولا الكفارة. سواء أكان صيام رمضان، أم صوم واجب غيره.
الدليل: قوله الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾[البقرة:185].
المسألة الثانية: إنزال الصائم المني بدون جماع باختياره سواء بتقبيل، أو ملامسة، أو استمناء، أو تكرار نظر أو استمراره، ونحو ذلك، يُفسد الصوم، ويُوجب التوبة والقضاء في الصيام الواجب، ولا يوجب الكفارة. سواء أكان صيام رمضان، أم صوم واجب غيره؛ من قضاء أو كفارة أو نذر.
الدليل: لأن هذا من الشهوة التي أمر الله -تعالى- الصائم باجتنابها؛ كما في الحديث القدسي قال الله -تعالى-: «يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي»([6]).
المسألة الثالثة: لا يفسد الصوم بالتقبيل واللمس، ونحوهما، ما لم ينزل المني.
الدليل: ما جاء عن عائشة -رضي الله عنها-: قالَتْ: «كانَ النَّبِيُّ ﷺ يُقَبِّلُ وَيُباشِرُ وهو صائمٌ، وَكانَ أَمْلَكَكُمْ»([7]).
لكن إذا كان الصائم يخشى على نفسه -إذا قَبَّل أو لامس، ونحو ذلك- أن ينزل المني، أو يتدرج بذلك إلى الجماع؛ فإن فعله حينئذ يكون حراماً؛ وذلك سداً للذريعة، وصوناً لصيامه من الفساد.
المسألة الرابعة: خروج المني من الصائم بغير اختياره، كخروج المني بالاحتلام، أو بالتفكير في الجماع ومقدماته، لا يفسد الصيام.
الدليل: قول النبي ﷺ: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ»([8])، ولأن المني خرج بدون قصده.
المسألة الخامسة: خروج المذي من الصائم، لا يفسد صومه؛ لأن الأصل: صحة الصوم، حتى يثبت دليل على فساده.
([1]) انظر: المجموع للنووي (6/383)، المغني (4/378، 412)، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/305-310)، مجالس رمضان ص (64-65).
([2]) رواه البخاري (1936) واللفظ له، ومسلم (1111).
([3]) ويستحب القضاء.
([4]) رواه أحمد (٢٦٨٩٣)، والترمذي (٧٣٢) وقال: "وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، وَغَيْرِهِمْ"، والحاكم (١٦١٢)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3854).
([5]) رواه عن أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ: ابن ماجه (٢٠٤٣) واللفظ له، وعن ابْنِ عَبَّاسٍ: ابن حبان (٤٧٦٠) والطبراني في الكبير (١١٢٧٤) والبيهقي في الكبير (١٥١٩٤) والحاكم (٢٨٣٥) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ" ووافقه الذهبي، وعن ثَوْبَانَ: الطبراني في الكبير (١٤٣٠)، رضي الله عن الصحابة أجمعين، وصححه الألباني في صحيح الجامع (١٧٣١).
([6]) رواه البخاري (٧٤٩٢) واللفظ له، ومسلم (١١٥١).
([7]) رواه البخاري (١٩٢٧) واللفظ له، ومسلم (١١٠٦).
([8]) رواه البخاري (٦٦٦٤) واللفظ له، ومسلم (١٢٧).
مقالات مقترحة

تحقيق القول في مشروعية ال...
يقدم ا.د حمد بن محمد الهاجرى مقال بعنوان تحقيق القول في مشروعية التطوع بصوم...
1469
0

زكاة الودائع الاستثمارية...
يقدم ا.د حمد بن محمد الهاجرى مقال بعنوان زكاة الودائع الاستثمارية في البنوك...
615
0

المهم المختصر في أحكام صل...
يقدم ا.د حمد بن محمد الهاجرى مقال بعنوان المهم المختصر في أحكام صلاة العيد
947
4
التعليقات
أضف تعليق