أنواع الطواف وشروطه

Publish Date : 2022-06-26

Views: 1751

download: 4

Share



مقالات الحج وعشر ذي الحجة (14)

أنواع الطواف وشروطه

المسألة الأولى: الطَّوافُ: هو التعبّدُ لله عزَّ وجلَّ بالدّوَران حولَ الكعبةِ سبع مرات تعبدًا لله مبتدئًا بالحجر الأسود ومنتهيًا إليه ويجعل الكعبة عن يساره.

المسألة الثانية: أنواع الطواف حول الكعبة:

النوع الأول: طواف العمرة، وهو ركن من أركانها، لا تصح بدونه.

النوع الثاني: طواف القدوم للحج، ويسمى طواف التحية، وهو سنة في حق الحاج القارن والمفرد([1]).

النوع الثالث: طواف الإفاضة في الحج، ويسمى طواف الزيارة، وأجمع الفقهاء على أنه ركن من أركان الحج سواء كان الحاج متمتعا أو قارنا أو مفردا؛ لقول الله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾[الحج: 29].

ووقته يبدأ بعد الوقوف بعرفات والمبيت بمزدلفة على ما ذكرناه في مقال أركان الحج.

النوع الرابع: طواف الوداع، ويسمى طواف الصدر، ويكون بعد انتهاء أعمال الحج والعزم على الخروج من مكة المكرمة، وهو واجب على كل حاج ما عدا الحائض والنفساء عند الجمهور؛ لقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بالبَيْتِ، إلَّا أنَّهُ خُفِّفَ عَنِ المَرْأَةِ الحَائِضِ»([2])، وفي رواية له أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حتَّى يَكونَ آخِرُ عَهْدِهِ بالبَيْتِ»([3]). ومن تركه وجب عليه ذبيحة تجزئ أضحية([4]).

ويستحب طواف الوداع للعمرة ولا يجب([5])؛ لعدم الدليل على الوجوب، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف للوداع عند خروجه من مكة بعد عمرة القضاء فيما علمنا من سنته في ذلك.

النوع الخامس: طواف النذر، وهو واجب على من نذر الطوافَ بالكعبة.

النوع السادس: طواف التطوع، وهو ما يتعبد به المرء غير ما ذكر. وهو سنة في كل وقت؛ لحديث جبير بن مطعم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يا بني عبد مناف إن وليتم من هذا الأمر فلا تمنعوا أحدًا طاف أو صلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار»([6]).

ومما جاء في فضله حديث ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن طاف بهذا البيتِ أُسْبوعًا فأحصاه، كان كعِتْقِ رقبةٍ؛ لا يضَعُ قَدَمًا، ولا يرفَعُ أخرى، إلَّا حَطَّ اللهُ عنه بها خطيئةً، وكَتَبَ له بها حسنةً»([7]).

المسألة الثالثة: شروط صحة الطواف:

1- أن يكون الطائف مسلمًا: فلا يصح الطواف من الكافر باتفاق العلماء؛ لأن الطواف عبادة، والعبادة لا تصح ولا تقبل من الكافر؛ لأنه ليس من أهلها.

2- أن ينوي الطائف الطواف([8])؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّما الأَعْمالُ بِالنِّيَّاتِ»([9]).

3- أن يكون الطائف عاقلًا؛ فلا يصح الطواف من المجنون([10])؛ لأنه لا نية له.

4- أن يطوف طواف الإفاضة – وهو الركن - في وقته المحدد شرعًا، ووقته يبدأ من منتصف ليلة النحر لمن وقف بعرفة ومزدلفة، وإلا فبعد الوقوف فيهما([11]).

5- أن يكون الطائف ساترًا لعورته، واتفق العلماء على وجوب ستر العورة في الطواف، بل ذهب الجمهور([12]) إلى أنه شرط لصحة الطواف؛ لحديث: «...ولَا يَطُوفَ بالبَيْتِ عُرْيَانٌ»([13]).

6- أن يجتنب الطائف النجاسة في بدنه أو ثوبه([14])؛ لقوله تعالى: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾[الحج:26]. فإذا أمر الله عز وجل بتطهير مكان الطائف، فتطهير بدنه وملابسه من باب أولى.

7- أن يكون الطائف متطهرًا من الحدث الأكبر([15])؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت في الحج: «افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي»([16]).

ويشترط أن يكون الطائف متطهرا من الحدث الأصغر([17])؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الطَّوَافُ حَوْلَ البَيْتِ مِثْلُ الصَّلاةِ، إِلاَّ أَنَّكُم تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلا يَتَكَلَّمَنَّ إِلاَّ بِخَيرٍ»([18]).

وجه الدلالة: أنه جعل الطواف مثل الصلاة، والصلاة يشترط لها الطهارة من الحدثين واجتناب النجاسة لبدنه وثوبه، فكذلك في الطواف.

8- أن يطوف الطائف سبعة أشواط([19])؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعًا، وقال: «يَا أَيُّها النَّاسُ خُذُوا مَنَاسِكَكُم فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بعد حجتي هذه»([20]).

9- أن يكون الطواف بجميع البيت، بإجماع العلماء([21])؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾[الحج:29]. وهذا يقتضي الطواف بجميعه.  

ولذلك لا يصح الطواف داخل الْحِجْرِ لأنه من البيت؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «سَأَلْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحِجْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ»([22]).

10- أن يكون الطواف بالكعبة داخل المسجد الحرام، بإجماع العلماء([23])؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾، ولم يأمرنا بالطواف حول المسجد الحرام.

11- أن يطوف جاعلا البيت عن يساره([24])؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف هكذا، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّها النَّاسُ خُذُوا مَنَاسِكَكُم فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حجتي هذه»([25]).

12- أن يبتدئ الطائف الطواف بمحاذاة الحجر الأسود([26]).

13- أن يوالي الطائف بين الأشواط السبعة فلا يفصل بينها بفاصل كبير([27])؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف هكذا وقال: «‌لِتَأْخُذُوا ‌عَنِّي ‌مَنَاسِكَكُمْ»([28]).

أما الفاصل اليسير عُرْفًا فلا يؤثر، كأن تقام الصلاة أو تحضر الجنازة أثناء الطواف فإنه يصلي ثم يكمل طوافه ولا يستأنفه من جديد.

14- اتفق الفقهاء على صحة الطواف راكبًا إذا كان لعذر؛ لحديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَشْتَكِي، قَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ»([29]).

وذهب الجمهور([30]) إلى صحة طواف الراكب بدون عذر -أيضًا-؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنه: «أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طَافَ بالبَيْتِ وهو علَى بَعِيرٍ، كُلَّما أَتَى علَى الرُّكْنِ أَشَارَ إلَيْهِ بشيءٍ في يَدِهِ، وكَبَّرَ»([31]).

المسألة الرابعة: يسن أن يصلي الطائف بعد الطواف بجميع أنواعه ركعتين خلف مقام إبراهيم إذا تيسر ذلك، فإن لم يتيسر صلاهما في أي مكان في المسجد الحرام([32])؛ لحديث جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: «حتَّى إذَا أَتَيْنَا البَيْتَ معهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إلى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عليه السَّلَام، فَقَرَأَ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة:125]، فَجَعَلَ المَقَامَ بيْنَهُ وبيْنَ البَيْتِ، فَكانَ أَبِي يقولُ -وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إلَّا عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: كانَ يَقْرَأُ في الرَّكْعَتَيْنِ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، وَ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾. ثُمَّ رَجَعَ إلى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البَابِ إلى الصَّفَا»([33]).

 

أ.د. حمد بن محمد الهاجري

أستاذ الفقه المقارن والسياسة الشرعية

كلية الشريعة - بجامعة الكويت

 

([1]) وهو مذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة. وذهب المالكية إلى أنه واجب، ومَن تركه فعليه دم.

([2]) متفق عليه: رواه البخاري (1755)، ومسلم (1328).

([3]) رواه مسلم (1327).

([4]) وذهب المالكية إلى أن طواف الوداع سنة ولا يترتب على تركه شيء.

([5]) باتفاق المذاهب الأربعة.

([6]) رواه الخمسة: أبو داود (1894)، والترمذي (868)، والنسائي في «المجتبى» (585)، وابن ماجه (1254)، وأحمد (16736). وقال الترمذي: "حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ"، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (868).

([7]) أخرجه الترمذي في كتاب الحج، باب ما جاء في استلام الركنين (284/2) برقم (959)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (28/2).

([8]) وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة. ينظر: حاشية ابن عابدين (523/2/)، مواهب الجليل للحطاب (119/4)، الإنصاف للمرداوي (19/4).

([9]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (6/1) برقم (1)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنية» (1515/3) برقم (1907)، واللفظ للبخاري.

([10]) وهذا مذهب الشافعية والحنابلة. ينظر: المجموع للنووي (21/7)، كشاف القناع (485/2).

([11]) وهو مذهب الشافعية والحنابلة واختاره الشيخ عبدالعزيز بن باز. ينظر: مجموع الفتاوى (203/26)، (231/26).

([12]) وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة. ينظر: مواهب الجليل للحطاب (94/4)، المجموع للنووي (16/8)، الإنصاف (16/4).

([13]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب لا يطوف البيت عريان (153/2) برقم (1622).

([14]) وهو مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة. ينظر: مواهب الجليل للحطاب (68/3)، المجموع للنووي (15/8)، المغني لابن قدامة (343/3)

([15]) وهو مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة. ينظر: شرح الرسالة للقاضي عبد الوهاب (2/ 142)، المجموع للنووي (14/4) (110/8)، الإنصاف للمرداوي (19/4).

([16]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها (159/2) برقم (1650)، ومسلم في كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام (873/2) برقم (1211).

([17]) وهو مذهب الجمهور. ينظر: مواهب الجليل للحطاب (68/3)، المجموع للنووي (15/8)، الإنصاف للمرداوي (19/4).

([18]) أخرجه الترمذي في كتب الحج، باب ما جاء في الكلام في الطواف (285/2) برقم (960)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (501/6).

([19]) وهو مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة. ينظر: مواهب الجليل للحطاب (90/4)، المجموع للنووي (14/8)، الإنصاف للمرداوي (16/4).

([20]) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا (934/2) برقم (1297).

([21]) ينظر: مواهب الجليل للحطاب (70/3)، تبيين الحقائق (16/2)، المجموع للنووي (22/8)، المغني لابن قدامة (347/3)

([22]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها (146/2) برقم (1584)، ومسلم في كتاب الحج، باب جدر الكعبة وبابها (973/2) برقم (1333).

([23]) ينظر: المجموع للنووي (39/8)، البحر الرائق (253/2)، مواهب الجليل للحطاب (105/4)، الإنصاف للمرادوي (16/4).

([24]) وهذا مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة. ينظر: مواهب الجليل للحطاب (96/4)، المجموع للنووي (60/8)، الإنصاف للمرداوي (16/4).

([25]) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا (934/2) برقم (1297).

([26]) وهذا مذهب الشافعية والحنابلة ورواية عند الحنفية وقول عند المالكية. ينظر: البحر الرائق (332/2)، مواهب الجليل للحطاب (90/4)، المجموع للنووي (32/8)، الإنصاف للمرداوي (16/4).

([27]) وهذا مذهب المالكية والحنابلة. ينظر: مواهب الجليل للحطاب (105/4)، الإنصاف للمرداوي (19/4).

([28]) أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (908). وهو عند مسلم (1297) بلفظ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ».

([29]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب إدخال البعير في المسجد للعلة (100/1) برقم (464)، ومسلم في كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره (927/2) برقم (1276).

([30]) وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة. ينظر: بدائع الصنائع (130/2)، حاشية الدسوقي (40/2)، المغني لابن قدامة (358/3).

([31]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب المريض يطوف راكبًا (155/2)، برقم (1632) ومسلم في كتاب الحج باب جواز الطواف على بعير وغيره (926) برقم (1272)، واللفظ للبخاري.

([32]) وهو مذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة.

([33]) رواه مسلم (1218).


Comments

no comments

Add Comment

You Have reached the limit

0 /