أنواع نسك الحج

Publish Date : 2022-06-26

Views: 2257

download: 7

Share


add to favourites

مقالات الحج وعشر ذي الحجة (6)

أنواع نسك الحج

أنساك الحج ثلاثة، وهي كالآتي:

النسك الأول: التمتع: وهو باتفاق العلماء([1]) أنْ يُحرم بالعمرة وحدها في أشهر الحج، ثم يفرغ منها بطواف وسعي وتقصير، ويحل من إحرامه، ثم يُحرم بالحج في وقته من ذلك العام، قبل أن ينصرف إلى بلده([2]).

وسمي تمتعًا لأنه يتمتع بكل ما لا يجوز للمحرم فعله من وقت حله من العمرة إلى وقت إهلاله بالحج، ولأنه تمتع بجعل العمرة والحج في سفرة واحدة.

ودليل مشروعيته: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «خَرَجْنَا ‌مَعَ ‌رَسُولِ ‌اللهِ ‌صَلَّى ‌اللهُ ‌عَلَيْهِ ‌وَسَلَّمَ ‌عَامَ ‌حَجَّةِ ‌الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَحَلَّ، وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ»([3]).

وجه الدلالة: في قولها: «...فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ» أي متمتعًا بها إلى الحج.

النسك الثاني: القران: وله ثلاث صور:

الصورة الأولى: أن يُحرم بالحج والعمرة معًا، فيقول: لبيك عمرةً وحجًّا، وهذه الصورة جائزة باتفاق العلماء([4])، ومما يدل على جوازها ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: حَدَّثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، وَهُوَ بِالْعَقِيقِ، أَنْ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ»، وَقَالَ هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ: «عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ»([5]). وكذلك ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها السابق: «وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ».

الصورة الثانية: أنْ يحرم بالعمرة وحدها، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في الطواف، وهذه الصورة أجمع العلماء على جوازها في حال الضرورة([6])، ومما يدل على جوازها: حديث عائشة رضي الله عنها حين أحرمت بالعمرة، ثم حاضت بسرف، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أنْ تهل بالحج وأن تفعل مثل ما يفعل الحاج غير ألا تطوف بالبيت حتى تغتسل، وقال: «‌يَسَعُكِ ‌طَوَافُكِ ‌لِحَجِّكِ ‌وَعُمْرَتِكِ»([7]).

الصورة الثالثة: أنْ يُحرم بالحج أولًا ثم يدخل العمرة عليه، وهذه الصورة جائزة ([8])، ومما يدل على جوازها: أنه جاء في حديث عائشة رضي الله عنها -السابق-: «وَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ». ثم جاءه جبريل عليه السلام -كما في حديث عمر رضي الله عنه السابق- وقال: «صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ».

وجه الاستدلال: أنَّ جبريل عليه السلام أمر النبي عليه الصلاة والسلام أنْ يدخل العمرة على الحج.

وفي هذه الصور الثلاث إذا وصل الحاج إلى مكة طاف طواف القدوم، وسعى بين الصفا والمروة للعمرة والحج سعيًا واحدًا، ثم استمر على إحرامه حتى يحل منه يوم العيد.

واتفقت المذاهب الأربعة على أنه يجوز أن يؤخر السعي عن طواف القدوم إلى ما بعد طواف الحج، لاسيما إذا كان وصوله إلى مكة متأخرًا وخاف فوات الحج إذا اشتغل بالسعي([9]).

ويطلق على القران تمتع في عرف السلف([10])، ولهذا وجب على القارن الهدي بقوله تعالى: ﴿فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾[البقرة:196].

وذلك أن مقصود حقيقة التمتع أن يأتي بالعمرة في أشهر الحج، ويحج من عامه، فيترفه بسقوط أحد السفرين.

النسك الثالث: الإفراد: وهو أن يحرم بالحج مفردًا، فإذا وصل مكة طاف طواف القدوم وسعى للحج، واستمر على إحرامه حتى يحل منه يوم العيد.

ويجوز أن يؤخر السعي إلى ما بعد طواف الحج؛ كالقارن، فإن عمل المفرد والقارن سواء، إلا أن القارن عليه الهدي لحصول النسكين له دون المفرد.

واتفقت المذاهب الأربعة على أنه يجوز لمن أراد الحج أن يحرم بأي نوع من هذه الأنساك الثلاثة. والأقرب من أقوال العلماء أنَّ أفضل هذه الأنساك الثلاثة هو التمتع لمن لم يسق الهدي([11]).

 

أ.د. حمد بن محمد الهاجري

أستاذ الفقه المقارن والسياسة الشرعية

كلية الشريعة - بجامعة الكويت

 

([1]) قال ابن رشد في بداية المجتهد (97/2): "إلا ما روي عن الحسن أنه كان يقول: هو متمتع، وإن عاد إلى بلده ولم يحج".

([2]) ينظر: بداية المجتهد (97/2).

([3]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب حجة الوداع (177/5) برقم (4408)، ومسلم في كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام (873/2) برقم (1211)، واللفظ له.

([4]) ينظر: التمهيد لابن عبد البر (454/8).

([5]) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما ذكر النبي وحض على اتفاق أهل العلم (106/9) برقم (7343).

([6]) ينظر: الإشراف لابن المنذر (300/3)، المغني لابن قدامة (3/ 421).

([7]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب طواف القارن (156/2) برقم (1638)، ومسلم في كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام (879/2) برقم (1211)، واللفظ له.

([8]) عند الحنفية والشافعي في القديم، واللخمي من المالكية، وقواه الشيخ محمد العثيمين. ينظر: التجريد للقدوري (1691/4)، المجموع للنووي (182/7)، الذخيرة للقرافي (289/3)، الشرح الممتع (87/7).

([9]) ينظر: بدائع الصنائع (135/2)، مواهب الجليل للحطاب (130/3)، المجموع للنووي (220/8)، المغني لابن قدامة (393/3).

([10]) ينظر: التمهيد لابن عبد البر (354/8).

([11]) وهو مذهب الحنابلة والشافعي في أحد قوليه، واختاره الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد العثيمين.


Comments

no comments

Add Comment

You Have reached the limit

0 /