حكم مشاركة الكفار في أعيادهم

Publish Date : 2021-12-29

Views: 5253

download: 8

Share


    There are no files to download
add to favourites

حكم مشاركة الكفار في أعيادهم

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأنعمَ علينا بالإيمانِ، وكرَّه إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ الأكوان، وأشهد أنَّ نَبيَّنا محمداً عبدُ الله ورسولُه؛ الذي دعانا إلى التَّوحيدِ، وإفراد اللهِ بالمحَبَّةِ والتَّمجيدِ، صلَّى اللهُ وسلمَ عليه وعلى آله وأصحابه، الدعاة إلى الحق بالحجج والبراهين، ومَن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّينِ.

أمَّا بعد: فاتقوا الله عباد الله؛ حقَّ التَّقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعروةِ الوثقى، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102].

عباد الله: إنَّ الله -سبحانه وتعالى- لم يقبض نبيَّه -المجتبى- حتى أكمل علينا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينًا، وحذَّرنا مِن اتباع سنن مَنْ كان قبلنا؛ حتى لا ننحرف عن المحجة البيضاء؛ التي تَرَكَنَا عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال -عزّ مِن قائل-: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾[الأنعام:153]، قال القرطبي -رحمه الله-: "وهذه ‌السّبل ‌تعمّ ‌اليهوديّة ‌والنّصرانيّة والمجوسيّة، وسائر أهل الملل، وأهل البدع والضّلالات...". تفسير القرطبي (7/138).

عباد الله: إنَّ الله -تعالى- كَتَبَ على الأمّة إنْ تَخَلَّت عن خصائِصها ومبادِئِها أنَّها في انحطاطٍ في عقيدتِها وقوتِها وأخلاقِها.

وإنَّ مما خاف منه النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمّة الإسلام: التبعيِّةَ لأعداء الإسلامِ؛ من قِبَل ِضعاف الإيمان، الذين يبلغ بهم الإعجابُ والافتتانُ إلى الاحتذاءِ بالكفار؛ والسَّيرِ في رِكابِهم، فعن أبي سعيد الْخُدريِّ -رضي الله عنه- عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ؛ شِبْرًا شِبْرًا، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟!». متفق عليه.

ولقد وقع -والله- ما كان يخاف منه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد ابتلي كثير من المسلمين بالإعجاب والتبعية -المطلقة- لأعداء الإسلام، فأصبحوا يحاكونهم في كل صغيرة وكبيرة؛ حتى في حركاتهم! وقصات شعورهم! وما ذلك إلا بسبب ضعف الإيمان في قلوبهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

ومن تبعية بعض المسلمين لأعداء الله: مشاركتهم للكفار في أعيادهم الدينية والمخالِفة لشريعة الإسلام.

وإن المؤمن الغيور على دينه، الراضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا، لا يشارك الكفار في أعيادهم؛ لأنه يزن الأفعال والأقوال بالكتاب والسنة، فما وافقهما -أو أحدهما- فهو المقبول؛ وإن تركه الناس، وما خالفهما -أو أحدهما- فهو المردود؛ وإنْ فَعَله الناس.

وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على تحريم مشاركة الكفار في أعيادهم، ومن ذلك:

1- قال الله تعالى -في صفات عباد الرحمن-: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾[الفرقان:72]، قال الضحاك، وغيره: "يعني أعياد المشركين". تفسير ابن كثير (6/ 130).

2- قال الله -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ﴾[الممتحنة:1]، ومشاركة الكفار في أعيادهم نوع من موالاتهم ومودتهم و محبتهم.

3- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من تشبَّهَ بقومٍ فهوَ منهم». رواه أبو داود (4031) واللفظ له، وأحمد (5114) مطولاً، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4031)، ولا شك أن مشاركة الكفار في أعيادهم من التشبه بهم.

4- قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «خالفوا المشركين...». متفق عليه، وأعياد الكفار من أعمالهم التي يجب أن نخالفهم فيها.

5- أجمع الصحابة -والأئمة مِن بعدهم- على تحريم المشاركة في أعياد الكفار وتهنئتهم بها؛ وكان اليهود في المدينة وخيبر، ولم يُنْقِل عن أحدٍ مِن الصحابة مشاركتهم في أعيادهم أو تهنئتهم بها.

أ- قال ابن تيمية - رحمه الله-: "فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم مِن إظهارها، فكيف يسوغ للمسلمين فعلها؟!". "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/510).

ب- قال ابن القيم -رحمه الله-: "لا يجوز للمسلمين مُمَالأتُهم عليه، ولا مُساعَدتهم، ولا ‌الحضور ‌معهم ‌باتفاق ‌أهل ‌العلم". وقال أيضا: "وأما ‌التهنئة ‌بشعائر ‌الكفر -المختصة به- فحرامٌ بالاتفاق، مثل أنْ يُهنِّئهم بأعيادهم وصومهم". "أحكام أهل الذمة" (1/441).

ج- قال ابن النحاس -رحمه الله-: "واعلم أنَّ أقبحَ البدعِ -وأشنعَها- موافقةُ المسلمين للنصارى في أعيادهم؛ بالتشبه بهم، وفي ذلك مِن الوهنِ في الدين، وتكثيرِ سوادِ النصارى، والتشبهِ بهم، ما لا يخفى، فالواجبُ على كل قادر أنْ يُنكرَ على أهل الذمةِ التظاهرَ بأعيادهِم ومواسمِهم، ويمنعَ مَن أراد مِن المسلمين التّشبّهَ بهم في شيءٍ مِن أفعالهِم، ومأكلهِم، وملابسهم، ومخالطتِهم فيها، وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". "تنبيه الغافلين" (ص500).

6- جاء عن صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- آثار كثيرة -صحيحة صريحة- بخصوص تحريم مشاركة أعداء الله في أعيادهم؛ منها:

أ- قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-: (لَا ‌تَعَلَّمُوا ‌رَطَانَةَ ‌الْأَعَاجِمِ، وَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ؛ فَإِنَّ السَّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ). أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (1609)، وصححه ابن تيمية.

ب- قول عمر رضي الله عنه -أيضًا-: (اجْتَنِبُوا ‌أَعْداءَ ‌اللَّه ‌فِي ‌عِيدِهِمْ). أخرجه البيهقي في "الكبرى" (18862).

ج- قول عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: (‌مَنْ ‌بَنَى ‌بِبِلَادِ ‌الْأَعَاجِمِ، وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهُمْ، وَتَشَبَّهَ بِهِمْ، حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). أخرجه البيهقي في "الكبرى" برقم (18863)، وصححه ابن تيمية.

فلا يجوز لمُسلِمٍ أنْ يشارك في أعياد الكفار، بأي وجه مِن الوجوه، سواء أكانت تهنئةً أو ذهابًا إلى أماكن عبادتهم، أو قبولًا لهداياهم بمناسبتها، أو تعاونًا معهم في نجاحها؛ لأنَّ ذلك من التعاون على الإثم الذي حَرَّمه الله -تعالى- علينا في كتابه القويم، ومضادٌّ لكلمة الإخلاص.

وإن من مقاصد الشرع في النهي عن مشاركة الكفار أعيادهم، والتّشبّه بهم: حفظ قلب المسلم مِن تسرّب حب أعداء الله إليه؛ فإنَّ ذلك مضاد لعقيدة الولاء والبراء الواردة في قول الله -تعالى-: ﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[المجادلة:22].

إن الواجب على المسلم هو: الدعوة إلى دينه، وإظهار شعائره، وأن ينأى بنفسه وأهله عن التأثر بأعياد النصارى والمشركين؛ التي هي جزء من أديانهم، وهي عن عقيدة مخالفة للتوحيد، وإنَّ في ديننا -من العبادات والأعياد- الكفاية والكمال، وقد قال ربنا -سبحانه وتعالى-: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[المائدة:3].

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين.


Comments

no comments

Add Comment

You Have reached the limit

0 /