حكم عيد ميلاد المسيح (الكريسماس)

تاريخ النشر : 2021-11-25

عدد المشاهدات : 1285

مرات التحميل : 17

مشاركة


    لا يوجد ملفات للتحميل
أضف الى المفضلة

حكم عيد ميلاد المسيح (الكريسماس)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
إن كثيرا ممن يشاركون الكفار في عيد الميلاد -الذي يسمونه (الكريسماس)- يتوهمون أنه مجرد احتفال، وفرح وبهجة وسرور، وأشجار مزينة، وعادات وتقاليد معتادة، والحقيقة: أن النصارى يزعمون أن الكريسماس عيد ميلاد ابن الرب! ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾[الإسراء:43]، ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾[مريم:90-92].

وهو أمر حادث في الديانة المسيحية، حيث لم يرِد ذِكره في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، ولا عن المسيح -عليه السلام-، أو أحدٍ مِن أصحابه وحوارييه، وإنَّمَا تسرّب الاحتفال به إلى المسيحية في القرن الرابع الميلادي؛ عن طريق الرومان الوثنيين؛ الذين كانوا يحتفلون في نفس اليوم بعيد ميلاد أحد آلهتهم، ولما كان النصارى لا يعرفون يوم ميلاد المسيح معرفة مؤكدة، أصدرت الكنيسة الغربية -في القرن الخامس الميلادي- قرارًا رسميًّا باتخاذ يوم الاحتفال الروماني الوثني عيدًا لميلاد المسيح -عليه السلام-!

ففي الاحتفال بالكريسماس شتمٌ لله -عز وجل-، ففي الحديث القدسي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن الله -سبحانه وتعالى- قال: «كذبني ابن آدم؛ ولم يكن له ذلك، وشتمني؛ ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إياي: أن يقول: إني لن أعيده كما بدأته! وأما شتمه إياي: أن يقول: اتخذ الله ولدا! وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفؤا أحد». رواه البخاري (4975).

فكيف يهنأ لبعض المسلمين أن يشاركوهم احتفالهم، أو يهنؤونهم به! أين عقولهم؟! ربٌّ يُحتفَل بميلاده؟! إنهم -كما قال ابن القيم-: "أضل من الأنعام! وهم عار على جميع الأنام!". هداية الحيارى (ص231).

كما أنه يحصل في مشاركة الكفار أعيادهم مِن الابتداع، والتشبه بالكفار، ومخالفة عقيدة الولاء والبراء، ما هو مناقض لأصول الإيمان والاتباع.

حكم اقتناء شجرة الكريسماس:
إن مما يصاحب احتفالات عيد الميلاد: وضع ما يسمى بـ "شجرة الكريسماس" في كثيرٍ مِن الأماكن؛ كالمحلات التجارية الكبيرة، وغيرها مِن الأماكن التي يرتادها الناس.

ومما ينبغي للمسلم أنْ يعرفه: أنَّ شجرة الكريسماس أحد شعارات أعياد النصارى، وهي رمز لاحتفالاتهم بأكبر أعيادهم الدينية، وأصلها وثني؛ أخذها النصارى مِن الوثنيين في ألمانيا، الغَنِيَّة بأشجار الصنوبر، حيث كانت بعض القبائل فيها تعبد ثورًا تسميه "إله الغابات والرعد"، وتزين أشجار الصنوبر أثناء الاحتفال به.

وبمعرفة جذور هذه العادة يتبين أنَّه يحرم على المسلم اقتناء هذه الشجرة (الكريسماس)، ولو لم يحتفل بالكريسماس؛ لما في ذلك مِن تقليد الوثنيين وأهل الأديان المحرفة، والتشبه بهم، وتعظيم أمر يرمز إلى دينهم.

وقد نهى الشرع عن التشبه بالكفار في نصوص كثيرة، منها قوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ». رواه أبو داود (4031)، وغير ذلك مِن الأدلة الواردة في الحث على مخالفة اليهود والنصارى.

فينبغي على المسلم: أنْ يتق الله، وأنْ لا يتساهل في مثل هذه الأمور.

كما ينبغي على مَن وَلِيَ أمر المسلمين: أنْ لا يسمح لأحد بوضع هذه الشجرة في محله التجاري، أو غيره مِن الأماكن، ولو لم يحتفل بالكريسماس.

وكذلك ينبغي على التاجر المسلم: أن يتق الله، وأن يوقن أنَّ مَن تَرَكَ شيئاً لله عَوَّضه الله خيراً منه، قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾[الطلاق:2-3].

وإن المؤمن الغيور على دينه، الراضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا، لا يشارك الكفار في أعيادهم؛ لأنه يزن أفعاله وأقواله، وأفعال الناس وأقوالهم، بالكتاب والسنة، فما وافقهما -أو أحدهما- فهو المقبول؛ وإن تركه الناس، وما خالفهما -أو أحدهما- فهو المردود؛ وإنْ فَعَله الناس.

وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على تحريم مشاركة الكفار في أعيادهم، ومن ذلك:

1- قال الله تعالى -في صفات عباد الرحمن-: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾[الفرقان:72]، قال الضحاك، وغيره: "يعني أعياد المشركين". تفسير ابن كثير (6/ 130).

2- قال الله -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ﴾[الممتحنة:1]، ومشاركة الكفار في أعيادهم نوع من موالاتهم ومودتهم و محبتهم.

3- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من تشبَّهَ بقومٍ فهوَ منهم». رواه أبو داود (4031) واللفظ له، وأحمد (5114) مطولاً، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (4031)، ولا شك أن مشاركة الكفار في أعيادهم من التشبه بهم.

4- قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «خالفوا المشركين...». متفق عليه، وأعياد الكفار من أعمالهم التي يجب أن نخالفهم فيها.

5- أجمع الصحابة -والأئمة مِن بعدهم- على تحريم المشاركة في أعياد الكفار وتهنئتهم بها؛ وكان اليهود في المدينة وخيبر، ولم يُنْقِل عن أحدٍ مِن الصحابة مشاركتهم في أعيادهم أو تهنئتهم بها.

أ- قال ابن تيمية - رحمه الله-: "فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم مِن إظهارها، فكيف يسوغ للمسلمين فعلها؟!". "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/510).

ب- قال ابن القيم -رحمه الله-: "لا يجوز للمسلمين مُمَالأتُهم عليه، ولا مُساعَدتهم، ولا ‌الحضور ‌معهم ‌باتفاق ‌أهل ‌العلم". وقال أيضا: "وأما ‌التهنئة ‌بشعائر ‌الكفر -المختصة به- فحرامٌ بالاتفاق، مثل أنْ يُهنِّئهم بأعيادهم وصومهم". "أحكام أهل الذمة" (1/441).

ج- قال ابن النحاس -رحمه الله-: "واعلم أنَّ أقبحَ البدعِ -وأشنعَها- موافقةُ المسلمين للنصارى في أعيادهم؛ بالتشبه بهم، وفي ذلك مِن الوهنِ في الدين، وتكثيرِ سوادِ النصارى، والتشبهِ بهم، ما لا يخفى، فالواجبُ على كل قادر أنْ يُنكرَ على أهل الذمةِ التظاهرَ بأعيادهِم ومواسمِهم، ويمنعَ مَن أراد مِن المسلمين التّشبّهَ بهم في شيءٍ مِن أفعالهِم، ومأكلهِم، وملابسهم، ومخالطتِهم فيها، وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". "تنبيه الغافلين" (ص500).

6- جاء عن صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- آثار كثيرة -صحيحة صريحة- بخصوص تحريم مشاركة أعداء الله في أعيادهم؛ منها:

أ- قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-: (لَا ‌تَعَلَّمُوا ‌رَطَانَةَ ‌الْأَعَاجِمِ، وَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ؛ فَإِنَّ السَّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ). أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (1609)، وصححه ابن تيمية.

ب- قول عمر رضي الله عنه -أيضًا-: (اجْتَنِبُوا ‌أَعْداءَ ‌اللَّه ‌فِي ‌عِيدِهِمْ). أخرجه البيهقي في "الكبرى" (18862).

ج- قول عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: (‌مَنْ ‌بَنَى ‌بِبِلَادِ ‌الْأَعَاجِمِ، وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهُمْ، وَتَشَبَّهَ بِهِمْ، حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). أخرجه البيهقي في "الكبرى" برقم (18863)، وصححه ابن تيمية.

فلا يجوز لمُسلِمٍ أنْ يشارك في أعياد الكفار، بأي وجه مِن الوجوه، سواء أكانت تهنئةً أو ذهابًا إلى أماكن عبادتهم، أو قبولًا لهداياهم بمناسبتها، أو تعاونًا معهم في نجاحها؛ لأنَّ ذلك من التعاون على الإثم الذي حَرَّمه الله -تعالى- علينا في كتابه القويم، ومضادٌّ لكلمة الإخلاص.

وإن من مقاصد الشرع في النهي عن مشاركة الكفار أعيادهم، والتّشبّه بهم: حفظ قلب المسلم مِن تسرّب حب أعداء الله إليه؛ فإنَّ ذلك مضاد لعقيدة الولاء والبراء الواردة في قول الله -تعالى-: ﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[المجادلة:22].

إن الواجب على المسلم هو: الدعوة إلى دينه، وإظهار شعائره، وأن ينأى بنفسه وأهله عن التأثر بأعياد النصارى والمشركين؛ التي هي جزء من أديانهم، وهي عن عقيدة مخالفة للتوحيد، وإنَّ في ديننا -من العبادات والأعياد- الكفاية والكمال، وقد قال ربنا -سبحانه وتعالى-: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[المائدة:3].

وإنَّ في ديننا -من العبادات والأعياد- الكفاية والكمال، وقد قال ربنا -سبحانه وتعالى-: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[المائدة:3].

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين.


التعليقات

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق

لقدوصلت للحدالاقصى

0 /